نحن في لحظة فريدة من نوعها في التاريخ حيث يمر مجتمعنا بمرحلة انتقالية من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد الذي تحدده مجموعة جديدة من التقنيات، تتراوح من التكنولوجيا الرقمية إلى التكنولوجيا متناهية الدقة. من بين أحدث موجات الرقمنة هي تقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين"، وهي تقنية يقول الكثيرون إنها تعد بإعادة تعريف الثقة والشفافية والتضمين في جميع أنحاء العالم.

 تقنية سلسلة الكتل أو بلوك تشين Blockchain أصبحت اليوم حديث الساعة وأصبح لها القدرة على النمو لتصبح حجر الأساس لأنظمة حفظ السجلات والبيانات في جميع أنحاء العالم خاصة مع انتشار العملات الرقمية حيث تم إطلاقها منذ 10 سنوات فقط من قبل شخص / أشخاص مجهولين كانوا وراء إنشاء أول وأشهر عملة رقمية وهي البيتكوين BITCOIN أو كما يرمز لها BTC، خلال هذا المقال سنتعرف على مفهوم تقنية سلسلة الكتل، وكيف تعمل، ولماذا حظت بهذا القدر من الاهتمام والشهرة منذ لحظة ابتكارها.

 

blockchain3

 

نبذة تاريخية عن بداية ونشأة تقنية سلسلة الكتل أو Blockchain


كانت بداية فكرة سلسلة الكتل أو بلوك تشين blockchain عام 1991م عندما وصف ستيوارت هابر Stuart Haber و سكوت ستورنيتا Scott Stornetta فكرة بناء سلسلة من كتل البيانات المسجلة والمؤمنة بالتشفير لأول مرة، يحاول بعدها المبرمج وعالم الحاسوب نيك زابو Nick Szabo استخدامها في محاولة إنشاء عملة رقمية غير مركزية أسماها بيت جولد أو bit gold وذلك كان في حدود عام 1998م.

أما الانطلاقة الحقيقة لتقنية سلسلة الكتل أو بلوك تشين blockchain كانت في 2008م عندما أصدر المطور /المطورون الذين يعملون تحت الاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو Satoshi Nakamoto ورقة بيضاء لتأسيس نموذج بلوك تشين، وبعدها بعام يتم تطبيقها فعليا كسجل شامل للمعاملات التي تتم باستخدام العملة الرقمية البيتكوين.

في عام 2014 حدثت طفرة تكنولوجية كبيرة في تقنية بلوك تشين حيث تم فصل Blockchain عن العملة وتم استكشاف إمكاناتها للمعاملات المالية عموما بين أطراف أخرى مختلفة. وتم إنشاء Blockchain 2.0 الاصدار الثاني من البلوك تشين والذي دخل في تطبيقات أخرى بخلاف فكرة العملات الرقمية مثل ما قدمه نظام بلوك تشين إيثيريوم ethereum blockchain في برامج الكمبيوتر على شكل الكتل، والتي تمثل الأدوات المالية مثل السندات. أصبحت تعرف بعد ذلك باسم العقود الذكية smart contracts .

 

مفهوم سلسلة الكتل أو بلوك تشين Blockchain


 بلوك تشين blockchain هي التقنية مفتوحة المصدر قابلة للبرمجة وغير قابلة للسيطرة أو التحكم فيها وهي في الأساس دفتر تسجيل رقمي للمعاملات التي يتم تكرارها وتوزيعها عبر الشبكة الكاملة للنظام على في كتل السجلات المشفرة كل واحدة فيهم عبارة عن كتلة Block تكون مربوطة فيما بينها ومؤمنة بشفرة خاصة Cryptography، وكل كتلة تحتوي على هاش Hash وهو عبارة عن خوارزمية رياضية تقوم بتسجيل جزء صغير من البيانات الخاصة بالتعاملات المدرجة في السجل ككل، وتكون مشفرة بشفرة جزئية من الشفرة الكلية التي يتم بها تشفير سلسلة الكتل المكونة لسجل المعاملات والكتل الكلي، وتعرف قاعدة البيانات اللامركزية التي يديرها العديد من المشاركين - كما يحدث في البلوك تشين - بـ تقنية دفتر / سجل المعاملات الموزع Distributed Ledger Technology أو ما يرمز له بـ (DLT).
حيث أنه من المتوقع أن  ينمو سوق تقنية "بلوكتشين" محليًا بوتيرة متسارعة من الآن حتى 2025، بنسبة تتجاوز 41%.

blockchain1


 

فائدة ومزايا بلوك تشين Blockchain


استطاعت تقنية بلوك تشين Blockchain اكتساب ثقة ومصداقية الأعمال بفضل تطورها المستمر ومزاياها القوية بداية من توفير حد عالي من الأمان والشفافية وإمكانية تتبع البيانات المسجلة عبر شبكة الأعمال حتى قدرتها على توفير الكثير من التكاليف مع الحفاظ على قدر عالي من الكفاءة

 

blockchain2

 

وفي ما يلي نذكر خمس فوائد أو ميزات رئيسية لتقنية سلسلة الكتل بلوك تشين Blockchain:

 

  • تعزيز عامل الأمان

عندما تكون البيانات حساسة ومصيرية، بياناتك المالية مثلا، يمكن لتقنية بلوك تشين blockchain تغيير طريقة عرض المعلومات الهامة بشكل كبير من خلال إنشاء سجل لا يمكن تغييره ويتم تشفيره من طرف إلى طرف مما يساعد في منع الاحتيال والأنشطة غير المصرح بها. يمكن أيضًا معالجة مشكلات الخصوصية عن طريق إخفاء هوية البيانات الشخصية واستخدام الأذونات لمنع الوصول. حيث يتم تخزين المعلومات عبر شبكة من أجهزة الكمبيوتر بدلاً من حفظها على خادم server واحد ، مما يجعل من الصعب على المتسللين أو المخترقين عرض البيانات أو الحصول عليها.

  • الشفافية

نظرًا لأن بلوك تشين blockchain يستخدم دفتر أو سجل معاملات موزع، حيث يتم تسجيل المعاملات والبيانات بشكل متماثل في مواقع متعددة. يرى جميع المشاركين في الشبكة الذين لديهم حق الوصول المصرح به نفس المعلومات في نفس الوقت، مما يوفر شفافية كاملة للمساهمين في الشبكة أو المتعاملين معها. إضافة إلى أن جميع المعاملات التي يتم تسجيلها في الكتل غير قابلة للتغيير، ويتم ختمها بطابع الوقت والتاريخ لتوثيق وقت بناءها وتسجيلها. حيث يتيح ذلك للأعضاء عرض السجل الكامل للمعاملة بالترتيب الزمني الدقيق ويقضي فعليا على أي فرصة للاحتيال.

  • التتبع الفوري

ينشئ بلوك تشين Blockchain مسار تدقيق يوثق مصدر الأصل في كل خطوة في رحلة التسجيل وتكوين الكتل. بما يجعل مشاركة البيانات حول المصدر مباشرة متاحة وسهلة. كما يمكن أن تكشف بيانات إمكانية التتبع أيضًا عن نقاط الضعف في السلسلة

  • زيادة الكفاءة والسرعة

تستغرق العمليات التقليدية الورقية الكثير من الوقت والمجهود كما انها عرضة للخطأ البشري ، وقد تتطلب وساطة من طرف ثالث. من خلال تبسيط هذه العمليات باستخدام بلوك تشين blockchain ، يمكن إكمال المعاملات بشكل أسرع وأكثر كفاءة. حيث يمكن تخزين الوثائق على blockchain جنبًا إلى جنب مع تفاصيل المعاملة ، مما يلغي الحاجة إلى تبادل أوراق ووثائق. ليست هناك حاجة لتسوية السجلات المتعددة، لذا يمكن أن تكون المراجعة والتسوية أسرع بكثير.

  • الأتمتة Automation

وهو ما يقصد به جعل النظام أوتوماتيكيا، حيث يمكن حتى أتمتة المعاملات من خلال العقود الذكية smart contracts، مما يزيد من كفاءتك ويسرع العملية بشكل أكبر. فبمجرد استيفاء الشروط المحددة مسبقًا، يتم تشغيل الخطوة التالية في المعاملة أو العملية تلقائيًا. تقلل العقود الذكية من التدخل البشري وكذلك الاعتماد على أطراف ثالثة للتحقق من استيفاء شروط العقد. على سبيل المثال ، بمجرد أن يقدم العميل جميع المستندات اللازمة لتقديم مطالبة ، يمكن تسوية المطالبة ودفعها تلقائيًا.

 

تجارب الـ 1,000 فكرة حول تقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين"


لا تزال تقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين" جديدة وستتطور عدة مرات قبل أن يتم دمجها بالكامل في المجتمع. لقد رأينا مسارات مماثلة من قبل في صناعة التقنية؛ ومن الأمثلة على ذلك إنترنت الأشياء والهاتف المحمول وحتى الإنترنت نفسه. كل واحدة من هذه التقنيات مرت بتكرار مختلف قبل أن يتم دمجها واستخدامها بشكل كامل داخل المجتمع. كان يجب التغلب على الكثير من العقبات التقنية والاجتماعية والسياسية ببطء ولكن بثبات.


لذلك، من المفيد غالبًا التعامل مع التقنيات الناشئة ببعض التفكير العميق ليس من خلال توقعها أن تعمل فورًا كحل فعال تمامًا ولكن كوجهة نظر ممكنة. يسمح مثل هذا النهج بإجراء مناقشة أوسع نطاقًا، حيث يمكننا تحدي أفكارنا المسبقة. لقد أوضحت تقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين" بالفعل قوة الأفراد المتصلين عبر الإنترنت بقدرة حوسبية كافية تحت تصرفهم.  يمكن لهؤلاء الأشخاص أيضًا إنشاء بنية اقتصادية جديدة تمامًا بعيدًا عن مجرد تغريدات أو التقاط ومشاركة الصور أو مقاطع الفيديو.


وبالتالي، لا تكمن قوة تقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين" في التقنية نفسها، بل في كيفية إعادة صياغة العديد من المناقشات عبر أجزاء مختلفة من مجتمعنا واقتصادنا. توضح لنا تقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين" أن هناك خيارات يمكننا من خلالها تنظيم المجتمع بشكل مختلف. لقد أطلقت 1,000 تجربة فكرية مختلفة ولكن الحلول الناتجة، والتي سيتم تسليمها بعد عقد أو اثنين من الآن، قد تستند أو لا تستند على تقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين" أو العملة المشفّرة. ومع ذلك، ستكون المناقشات التي بدأت من هذه النقطة بمثابة إسهامات مهمة في التقدم الذي يحرزه المجتمع حول التقنيات الرقمية وما يمكن أن تعنيه للجنس البشري. لهذه الأسباب، من المهم أن يشارك الجميع بما في ذلك الأمم المتحدة مع هذه التقنيات لفهمها والتعلم منها.

هناك حوالي %70 من المؤسسات المالية في مراحل تجربة هذه التقنية. ويُقدر أن ينمو الإنفاق العالمي على تطبيقات تقنية "بلوكتشين" من حوالي 1.5 بليون دولار في عام 2018، إلى أكثر من 12 بليون دولار في عام 2022. كما أن القيمة السوقية لهذه التقنية التي كانت نحو 228 مليون دولار عام 2016، سترتفع إلى 5,340 مليون على عام 2023 بمعدل نمو مُركب يصل إلى %57.6


من المحتمل أن يكون الإرث الرئيسي لتقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين" هو أنه ستظهر حلول جديدة تمامًا للمشاكل القديمة عندما يتم تسليم طاقة الحوسبة إلى جزء كبير من السكان بدلاً من الاحتفاظ بها فقط في الشركات. في حالة تقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين"، بدأ الأمر برغبة في رؤية شكل جديد من النظام المصرفي وهو النظام الأصلي في العالم الرقمي الذي بدأنا جميعًا في العيش فيه. لقد تم بالفعل إطلاق مفهوم الحلول التي يقودها المواطن والمملوكة للمواطن للمشاكل العالمية سواء كانت ستتغلب أو لن تتغلب على تحدياتها التقنية والبيئية. يتجاهل النظام الدولي الراسخ تلك الرسالة في مخاطرها.

إضافة تعليق جديد

This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.